کد مطلب:352979 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:165

البخاری یدلس الحدیث حفاظا علی کرامة عمر بن الخطاب
نعم إن الباحث إذا ما تتبع أحادیث البخاری لا یفهم الكثیر منها وتبدوا كأنها

ناقصة أو مقطعة وأنه یخرج نفس الحدیث بنفس الأسانید ولكنه فی كل مرة یعطیه ألفاظا مختلفة فی عدة أبواب. كل ذلك لشدة حبه لعمر بن الخطاب. ولعل ذلك هو الذی رغب أهل السنة فیه فقدموه علی سائر الكتب رغم أن مسلما أضبط وكتابه مرتب حسب أبواب، إلا أن البخاری عندهم أصح الكتب بعد كتاب الله لأجل هذا ولأجل انتقاصه فضائل علی بن أبی طالب، فالبخاری عمل من جهة علی تقطیع الحدیث وبتره إذ كان فیه مس بشخصیة عمر، كما عمل نفس الأسلوب مع الأحادیث التی تذكر فضائل علی. وسنوافیك ببعض الأمثلة علی ذلك قریبا إن شاء الله. بعض الأمثلة علی تدلیس الحدیث التی فیها حقائق تكشف عن عمر بن الخطاب 1 - أخرج مسلم فی صحیحه فی كتاب الحیض باب التیمم قال: جاء رجل إلی عمر فقال: إنی أجنبت فلم أجد ماء؟ فقال عمر: لا تصل فقال عمار: أما تذكر یا أمیر المؤمنین إذ أنا وأنت فی سریة فأجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت فی التراب وصلیت فقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: إنما كان یكفیك أن تضرب بیدیك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفیك، فقال عمر: إتق الله یا عمار! قال: إن شئت لم



[ صفحه 312]



أحدث به. وأخرج هذه الروایة كل من أبی داود فی سننه وأحمد بن حنبل فی مسنده والنسائی فی سننه والبیهقی وابن ماجة أیضا. ولكن البخاری خان الأمانة أمانة نقل الحدیث كما هو ومن أجل الحفاظ علی كرامة عمر دلس الحدیث لأنه لم یعجبه أن یعرف الناس جهل الخلیفة بأبسط قواعد الفقه الإسلامی وإلیك الروایة التی تصرف فیها البخاری. أخرج البخاری فی صحیحه من كتاب التیمم باب المتیمم هل ینفخ فیهما. - قال: جاء رجل إلی عمر بن الخطاب، فقال: إنی أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن یاسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا فی سفر أنا وأنت الحدیث. وهو كما تری حذف منه البخاری فقال عمر: لا تصل لأنها أربكت ولا شك البخاری فحذفها وتخلص منها لئلا یكشف للناس عن مذهب عمر الذی كان یرتئیه فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم واجتهاده مقابل نصوص القرآن والسنة. وبقاءه علی مذهبه هذا حتی بعد ما أصبح أمیرا للمؤمنین وأخذ ینشر مذهبه فی أوساط المسلمین وقد قال ابن حجر: هذا مذهب مشهور عن عمر والدلیل علی أنه كان یشدد علی ذلك قول عمار له: إن شئت لم أحدث به. فاقرأ وأعجب. 2 - أخرج الحاكم النیسابوری فی المستدرك من جزئه الثانی صفحة 514 وصححه الذهبی فی تلخیصه. - عن أنس بن مالك قال: إن عمر بن الخطاب قرأ علی المنبر قوله: فأنبتنا فیها حبا وعنبا وقضبا وزیتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا، قال: كل هذا عرفناه فما الأب، ثم قال: هذا لعمر الله هو التكلف فما علیك أن لا تدری ما الأب، اتبعوا ما بین لكم هداه من الكتاب فاعملوا به وما لم



[ صفحه 313]



تعرفوه فكلوه إلی ربه. وهذه الروایة قد نقلها أغلب المفسرین فی كتبهم وتفاسیرهم لسورة عبس كالسیوطی فی الدر المنثور والزمخشری فی الكشاف، وابن كثیر فی تفسیره. والرازی فی تفسیره والخازن فی تفسیره. ولكن البخاری وكعادته حذف الحدیث وأبتره لئلا یعرف الناس جهل الخلیفة بمعنی الأب فروی الحدیث كالآتی. أخرج البخاری فی صحیحه من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب ما یكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا یعنیه قول الله تعالی لا تسألوا عن أشیاء إن تبد لكم تسؤكم. - عن أنس بن مالك قال: كنا عند عمر فقال: نهینا عن التكلف. نعم هكذا یفعل البخاری بكل حدیث یشم منه انتقاصا من عمر فكیف یفهم القارئ من هذا الحدیث المبتور حقیقة الأشیاء فهو یستر جهل عمر بمعنی الأب ویقول فقط قال: نهینا عن التكلف. 3 - أخرج ابن ماجة فی سننه: 2 / 227 والحاكم فی المستدرك: 2 / 59، وأبو داود فی سننه: 2 / 402 والبیهقی فی سننه: 6 / 264 وابن حجر فی فتح الباری وغیرهم. - عن ابن عباس أنه قال: أتی عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فیها أناسا فأمر بها أن ترجم، فمر بها علی بن أبی طالب فقال: ما شأنها؟ قالوا: مجنونة بنی فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم قال: ارجعوا بها ثم أتاه فقال: ألم تعلم أن القلم رفع عن المجنون حتی یعقل، وعن النائم حتی یستیقظ، وعن الصبی حتی یحتلم؟ فخلی عنها عمر وقال: لولا علی لهلك عمر (ابن الجوزی فی تذكرته ص 75). ولكن البخاری أربكته هذه الروایة فكیف یعرف الناس جهل عمر



[ صفحه 314]



بأمور الحدود التی رسمها كتاب الله وبینها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فكیف یترأس علی منصة الخلافة من كانت هذه حاله، ثم كیف یذكر البخاری هذه الروایة وفیها فضیلة لعلی بن أبی طالب الذی كان یسهر علی تعلیمهم ما یجهلون، واعتراف عمر بقوله أنه لولا علی لهلك عمر. فلننظر للبخاری كیف یحرف الروایة ویدلسها. أخرج البخاری فی صحیحه من كتاب المحاربین من أهل الكفر والردة باب لا یرجم المجنون والمجنونة قال البخاری بدون ذكر أی سند. - وقال علی لعمر أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتی یفیق وعن الصبی حتی یدرك وعن النائم حتی یستیقظ. نعم هذا مثال حی لتصرف البخاری فی الأحادیث فهو یبتر الحدیث إذا كان فی فضیحة لعمر. ویبتر الحدیث أیضا إذا كان فیه فضیلة أو منقبة للإمام علی فلا یطیق تخریجه. 4 - أخرج مسلم فی صحیحه من كتاب الحدود باب حد شارب الخمر. - عن أنس بن مالك، أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أتی برجل قد شرب الخمر، فجلده بجریدتین نحو أربعین، قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر، استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانین، فأمر به عمر. والبخاری كعادته لا یرید إظهار جهل عمر بالحكم فی الحدود وكیف یستشیر الناس فی حد معلوم فعله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ثم فعله بعده أبو بكر. أخرج البخاری فی صحیحه من كتاب الحدود باب ما جاء فی ضرب شارب الخمر.



[ صفحه 315]



- عن أنس بن مالك أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم ضرب فی الخمر بالجرید والنعال وجلد أبو بكر أربعین. 5 - أخرج المحدثون والمؤرخون الذین أرخوا مرض النبی صلی الله علیه وآله وسلم ووفاته وكیف طلب منهم أن یكتب لهم كتابا لن یضلوا بعده أبدا وهو ما سمی برزیة یوم الخمیس، وكیف أن عمر بن الخطاب عارض وقال بأن رسول الله یهجر - والعیاذ بالله -. وقد أخرج البخاری فی صحیحه من كتاب الجهاد باب هل یستشفع إلی أهل الذمة ومعاملتهم. وأخرجه مسلم فی صحیحه من كتاب الوصیة باب ترك الوصیة لمن لیس له شئ یوصی فیه. - عن ابن عباس رضی الله عنه، أنه قال: یوم الخمیس، وما یوم الخمیس، ثم بكی حتی خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وجعه یوم الخمیس، فقال: ائتونی بكتاب، أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ینبغی عند نبی تنازع، فقالوا: هجر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال: دعونی فالذی أنا فیه خیر مما تدعونی إلیه وأوصی عند موته بثلاث: أخرجوا المشركین من جزیرة العرب، وأجیزوا الوفد بنحو ما كنت أجیزهم ونسیت الثالثة. نعم هذه هی رزیة یوم الخمیس التی لعب فیها عمر دور البطولة فعارض رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومنعه أن یكتب وبتلك الكلمة الفاحشة التی تعارض كتاب الله ألا وهی أن النبی یهجر والبخاری ومسلم نقلاها هنا بالعبارة الصحیحة التی نطق بها عمر ولم یبدلاها ما دام اسم عمر غیر وارد ونسبة هذا القول الشنیع للمجهول لا یضر. ولكن عندما یأتی اسم عمر فی الروایة التی تذكر بأنه هو الذی تلفظ بها یصعب ذلك علی البخاری ومسلم أن یتركاها علی حالها لأنها تفضح



[ صفحه 316]



الخلیفة وتظهره علی حقیقته العاریة وتكشف عن مدی جرأته علی مقام الرسول صلی الله علیه وآله وسلم والذی كان یعارضه طیلة حیاته فی أغلب القضایا وعرف البخاری ومسلم ومن كان علی شاكلتهم بأن هذه الكلمة وحدها كافیة لإثارة عواطف كل المسلمین حتی أهل السنة ضد الخلیفة، فعمدوا إلی التدلیس، فهی مهنتهم المعروفة لمثل هذه القضایا وأبدلوا كلمة یهجر بكلمة غلب علیه الوجع - لیبعدوا بذلك تلك العبارة الفاحشة وإلیك ما أخرجه البخاری ومسلم فی نفس موضوع الرزیة. - عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وفی البیت رجال فیهم عمر بن الخطاب، قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. فقال عمر: إن النبی قد غلب علیه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البیت فاختصموا، منهم من یقول: قربوا یكتب لكم النبی كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من یقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبی قال لهم: قوموا - قال عبد الله بن مسعود - فكان ابن عباس یقول: إن الرزیة كل الرزیة ما حال بین رسول الله وبین أن یكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم [1] .

وبما أن مسلما. أخذها عن أستاذه البخاری فنحن نقول للبخاری مهما هذبت العبارة ومهما حاولت تغطیة الحقائق فإن ما أخرجته كاف وهو حجة علیك وعلی سیدك عمر. لأن لفظ یهجر ومعناه یهذی - أو قد غلب علیه الوجع - تؤدی إلی نفس النتیجة لأن المتمعن یجد أن الناس حتی الیوم یقولون مسكین فلان تغلبت علیه الحمی حتی أصبح یهذی. وخصوصا إذا أضفنا إلیها كلامه عندكم القرآن حسبنا كتاب الله



[ صفحه 317]



ومعنی ذلك أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم انتهی أمره وأصبح وجوده كالعدم. وأنا أتحدی كل عالم له ضمیر أن یتمعن فقط فی هذه الواقعة بدون رواسب وبدون خلفیات فسوف تثور ثائرته علی الخلیفة الذی حرم الأمة من الهدایة وكان سببا مباشرا فی ضلالتها. ولماذا نخشی من قول الحق ما دام فیه دفاع عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وبالتالی عن القرآن وعن المفاهیم الإسلامیة بأكملها، قال تعالی: فلا تخشوا الناس واخشون، ولا تشتروا بآیاتی ثمنا قلیلا، ومن لم یحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [المائدة: 44]. فلماذا یحاول بعض العلماء حتی الیوم فی عصر العلم والنور جهدهم تغطیة الحقائق بما یختلقونه من تأویلات متكلفة لا تسمن ولا تغنی من جوع. فإلیك ما ابتكره العالم محمد فؤاد عبد الباقی فی شرحه لكتاب اللؤلؤ والمرجان فیما اتفق علیه الشیخان عند إیراده لحدیث رزیة یوم الخمیس قال یشرح الواقعة [2] .

- ائتونی بكتاب: أی ائتونی بأدوات كتاب كالقلم والدواة، أو أراد بالكتاب ما من شأنه أن یكتب فیه نحو الكاغد والكتف، والظاهر أن هذا الكتاب الذی أراده إنما هو فی النصر علی خلافة أبی بكر لكنهم لما تنازعوا واشتد مرضه صلی الله علیه وآله وسلم عدل عن ذلك، معولا علی ما أصله من استخلافه فی الصلاة. (ثم أخذ یشرح معنی هجر). قال: هجر: ظن ابن بطال أنها بمعنی اختلط، وابن التین أنها بمعنی هذی، وهذا غیر لائق بقدره الرفیع، ویحتمل أن یكون المراد أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هجركم، من الهجر الذی هو ضد الوصل، لما قد ورد علیه من الواردات الإلهیة، ولذا قال: فی الرفیق الأعلی، وقال ابن الأثیر إنه علی سبیل



[ صفحه 318]



الاستفهام وحذفت الهمزة، أی هل تغیر كلامه واختلط لأجل ما به من المرض، وهذا أحسن ما قال فیه، ولا یجعل إخبارا فیكون إما من الفحش أو الهذیان، والقائل كان عمر ولا یظن به ذلك انتهی كلامه. ونحن نرد علیك یا سیادة العالم الجلیل أن الظن لا یغنی من الحق شیئا ویكفینا اعترافك بأن قائل هذا الفحش هو عمر! ومن أنبأك بأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أراد أن یكتب خلافة أبی بكر؟ وهل كان عمر لیعترض علی ذلك؟ وهو الذی شید أركان الخلافة لأبی بكر وحمل الناس علیها غصبا وقهرا حتی هدد بحرق بیت الزهراء وهل هناك من ادعی هذا غیرك یا سیادة العالم الجلیل؟ والمعروف عند العلماء قدیما وحدیثا بأن علیا بن أبی طالب هو المرشح للخلافة من قبل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم إن لم یعترفوا بالنص علیه. ویكفیك ما أخرجه البخاری فی صحیحه من كتاب الوصایا من جزئه الثالث صفحة 186، قال: ذكروا عند عائشة أن علیا رضی الله عنهما كان وصیا فقالت: متی أوصی إلیه وقد كنت مسندته إلی صدری فدعا بالطست فلقد أنخنت فی حجری فما شعرت أنه قد مات فمتی أوصی إلیه؟ والبخاری أخرج هذا الحدیث لأن فیه إنكار الوصیة من طرف عائشة وهذا ما یعجب البخاری، ولكن نحن نقول بأن الذین ذكروا عند عائشة أن رسول الله أوصی لعلی، صادقین لأن عائشة لم تكذبهم ولم تنف هی نفسها الوصیة ولكنها سألت كالمستنكرة متی أوصی إلیه؟ ونجیبها بأنه أوصی إلیه بحضور أولئك الصحابة الكرام وفی غیابها هی، ولا شك بأن أولئك الصحابة ذكروا لها متی أوصی إلیه ولكن الحكام المتسلطین منعوا ذكر مثل هذه المحاججات كما منعوا ذكر الوصیة الثالثة ونسوها، وقامت السیاسة علی طمس هذه الحقیقة علی أن عمر نفسه صرح بأنه منع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من كتابة الكتاب لعلمه بأنه یختص بخلافة علی بن أبی طالب، وقد أخرج ابن أبی الحدید، الحوار الذی دار بین عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس،



[ صفحه 319]



وفیه قال عمر وهو یسأل ابن عباس: هل بقی فی نفس علی شئ من أمر الخلافة؟ فقال ابن عباس: نعم فقال عمر: ولقد أراد رسول الله فی مرضه أن یصرح باسمه فمنعته من ذلك إشفاقا وحیطة علی الإسلام [3] .

فلماذا تتهرب یا سیادة العالم من الواقع، وبدلا من إظهار الحق، بعد ما ولی عصر الظلمات مع بنی أمیة وبنی العباس، ها أنتم تزیدون تلك الظلمات غشاوة وأستارا فتحجبوا غیركم عن إدراك الحقیقة والوصول إلیها، وإن كنت قلت الذی قلت عن حسن نیة فإنی أسأل الله سبحانه أن یهدیك ویفتح بصیرتك. 6 - كما أن البخاری فعل الكثیر من أجل تبدیل وتدلیس وتخلیط الأحادیث النبویة التی یشعر من خلالها أن هناك توهینا وانتقاصا لهیبة أبی بكر وعمر، فها هو یعمد إلی حادثة تاریخیة مشهورة قال فیها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حدیثا لم یعجب الإمام البخاری فأعفاه تماما وكمالا، لأنه یرفع مكانة علی علی حساب أبی بكر. فقد روی علماء السنة فی صحاحهم ومسانیدهم، كالترمذی فی صحیحه والحاكم فی مستدركه وأحمد بن حنبل فی مسنده والإمام النسائی فی خصائصه، والطبری فی تفسیره، وجلال الدین السیوطی فی تفسیره الدر المنثور، وابن الأثیر فی تاریخه، وصاحب كنز العمال والزمخشری فی الكشاف، وغیر هؤلاء كثیرون، أخرجوا كلهم: - أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعث أبا بكر رضی الله عنه وأمره أن ینادی بهؤلاء الكلمات (وهی براءة من الله ورسوله..)، ثم أتبعه علیا رضی الله عنه وأمره أن ینادی بها هو. فقام علی رضی الله عنه فی أیام التشریف فنادی: إن الله برئ من المشركین ورسوله، فسیحوا فی الأرض



[ صفحه 320]



أربعة أشهر، ولا یحجن بعد العام مشرك ولا یطوفن بالبیت عریان ورجع أبو بكر رضی الله عنه فقال: یا رسول الله نزل فی شئ؟ قال: لا ولكن جبرئیل جاءنی فقال: لن یؤدی عنك إلا أنت أو رجل منك. لكن البخاری كعادته دائما أخرج الحادثة بطریقته المعروفة والمألوفة، قال فی صحیحه من كتاب تفسیر القرآن باب قوله: فسیحوا فی الأرض أربعة أشهر. - قال: أخبرنی حمید بن عبد الرحمن أن أبا هریرة رضی الله عنه قال: بعثنی أبو بكر فی تلك الحجة فی مؤذنین بعثهم یوم النحر یؤذنون بمنی أن لا یحج بعد العام مشرك ولا یطوف بالبیت عریان، قال حمید بن عبد الرحمن ثم أردف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعلی بن أبی طالب وأمره أن یؤذن ببراءة، قال أبو هریرة فأذن معنا علی یوم النحر فی أهل منی ببراءة وأن لا یحج بعد العام مشرك ولا یطوف بالبیت عریان [4] .

فانظر أیها القارئ كیف تتم عملیة التشویه للأحادیث والأحداث حسب الأغراض والأهواء المذهبیة، فهل هناك شبه بین ما رواه البخاری فی هذه القضیة، وما رواه غیره من المحدثین والمفسرین من علماء أهل السنة. والبخاری هنا یجعل أبا بكر هو الذی بعث أبا هریرة ومؤذنین یؤذنون بمنی أن لا یحج بعد العام مشرك ولا یطوف بالبیت عریان، ثم یدخل قول حمید بن عبد الرحمن بأن رسول الله أردف بعلی بن أبی طالب وأمره أن یؤذن ببراءة. ثم یأتی من جدید قول أبی هریرة بأن علی شاركهم فی الأدان یوم النحر ببراءة وأن لا یحج بعد العام مشرك ولا یطوف بالبیت عریان. وبهذا الأسلوب قضی البخاری علی فضیلة علی بن أبی طالب فی أنه



[ صفحه 321]



هو الذی أردفه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیبلغ عنه براءة بعد ما جاءه جبرئیل وأمره عن الله بعزل أبی بكر من تلك المهمة وقال له: لن یؤدی عنك إلا أنت أو رجل منك. فصعب علی البخاری أن یعزل أبو بكر بوحی من الله تعالی ویقدم علیا بن أبی طالب علیه وهذا ما لا یرتضیه البخاری أبدا فعمد إلی الروایة فدلسها كغیرها من الروایات. وكیف لا یتنبه الباحث لهذا الدس والتزویر وخیانة الأمانة العلمیة خصوصا وهو یقرأ أن أبا هریرة یقول: بعثنی أبو بكر فی تلك الحجة فی مؤذنین بعثهم یوم النحر! فهل كان أبو بكر هو الذی یسیر الأمور حتی فی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وكیف أصبح المبعوث هو الباعث الذی یختار مؤذنین من بین الصحابة یا تری؟ وتمعن فی أسلوب البخاری كیف قلب كل شئ فأصبح علی بن أبی طالب - المبعوث من قبل النبی صلی الله علیه وآله وسلم لأداء تلك المهمة التی لا یصلح لها سواه - أصبح شریك النداء مع أبی هریرة وبقیة المؤذنین دون التعرض لعزل أبی بكر ولا رجوعه یبكی (كما فی بعض الروایات) ولا التعرض إلی قول النبی صلی الله علیه وآله وسلم جاءنی جبرئیل فقال: لن یؤدی عنك إلا أنت أو رجل منك. لأن ذلك الحدیث هو بمثابة وسام الشرف الذی قلده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لابن عمه ووصیه علی أمته علی بن أبی طالب، ثم هو صریح بأن ذلك ما جاء به جبرئیل حسب الحدیث النبوی، فلا یبقی بعده مجال للمتأولین أمثال البخاری فی أنه رأی محمد صلی الله علیه وآله وسلم الذی هو كسائر البشر والذی یخطئ لغیره، فالأولی للبخاری حینئذ أن یبعد هذه الروایة ویطرحها كلیا من حسابه كما طرح غیرها. فتراه یخرج فی صحیحه فی كتاب الصلح باب كیف یكتب هذا ما صالح فلان بن فلان قول الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لعلی بن أبی طالب أنت منی وأنا منك فی قضیة اختصام علی وجعفر وزید علی ابنة



[ صفحه 322]



حمزة، فی حین أن ابن ماجة والترمذی والنسائی والإمام أحمد وصاحب كنز العمال كلهم یخرجون قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی منی وأنا من علی، ولا یؤدی عنی إلا أنا أو علی [5] قالها فی حجة الوداع، ولكن أنی للبخاری أن یخرج ذلك.

7 - أضف إلی ذلك أن الإمام مسلم أخرج فی صحیحه من كتاب الإیمان باب الدلیل علی أن حب الأنصار وعلی من الإیمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق. - عن علی قال: والذی فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبی الأمی صلی الله علیه وآله وسلم إلی أن لا یحبنی إلا مؤمن ولا یبغضنی إلا منافق. وأكد المحدثون وأصحاب السنن قول الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لعلی ولا یحبك إلا مؤمن، ولا یبغضك إلا منافق. أخرجه الترمذی فی صحیحه والنسائی فی سننه، ومسند أحمد بن حنبل والبیهقی فی سننه والطبری فی ذخائر العقبی - وابن حجر فی لسان المیزان ولكن البخاری رغم ثبوت هذا الحدیث عنده والذی أخرجه مسلم ورجاله كلهم ثقات، لم یخرج هذا الحدیث لأنه فكر ثم قدر، بأن المسلمین سیعرفون نفاق كثیر من الصحابة ومن المقربین للرسول صلی الله علیه وآله وسلم. بهذه الإشارة التی رسمها من لا ینطق عن الهوی إن هو إلا وحی یوحی، كما أن الحدیث فی حد ذاته فضیلة كبری لعلی وحده دون سائر الناس إذ به یفرق الحق من الباطل ویعرف الإیمان من النفاق، فهو آیة الله العظمی وحجته الكبری علی هذه الأمة وهو الفتنة التی یختبر الله بها أمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم بعد نبیها، ورغم أن النفاق هو من الأسرار الباطنیة التی لا



[ صفحه 323]



یطلع علیها إلا من یعلم خائنة الأعین وما تخفی الصدور ولا یعرفها إلا علام الغیوب، فإن الله سبحانه تفضلا منه ورحمة بهذه الأمة وضع لها علامة لیهلك من هلك عن بینة وینجو من نجا عن بینة. وأضرب لذلك مثالا واحدا علی ذكاء البخاری وفطنته من هذه الناحیة، ولذلك أعتقد شخصیا بأن أهل السنة من الأسلاف فضلوه وقدموه لهذه الخاصیة التی یمتاز بها علی غیره، فهو یحاول جهده أن لا یتناقض بأحادیث تخالف مذهبه الذی اختاره وتبناه. فقد أخرج فی صحیحه من كتاب الهبة وفضلها والتحریض علیها باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها. - قال: أخبرنی عبید الله بن عبد الله قالت عائشة رضی الله عنها: لما ثقل النبی صلی الله علیه وآله وسلم فاشتد وجعه استأذن أزواجه أن یمرض فی بیتی فأذن له فخرج بین رجلین تخط رجلاه الأرض وكان بین العباس وبین رجل آخر. فقال عبید الله فذكرت لابن عباس ما قالت عائشة، فقال لی وهل تدری من الرجل الذی لم تسم عائشة؟ قلت: لا! قال: هو علی بن أبی طالب. وهذا الحدیث بالضبط أخرجه ابن سعد فی طبقاته بمسند صحیح فی جزئه الثانی فی صفحة 29 وكذلك صاحب السیرة الحلبیة وغیرهم من أصحاب السنن وفیه إن عائشة لا تطیب له نفسا بخیر. والبخاری أسقط هذه الجملة التی یستفاد منها أن عائشة تبغض علیا ولا تطیق ذكر اسمه. ولكن فیما أخرجه كفایة ودلالة واضحة لمن له درایة بمعارض الكلم، وهل یخفی علی أی باحث قرأ التاریخ ومحصة بغض أم المؤمنین لسیدها ومولاها [6] علی بن أبی

طالب حتی أنها عندما وصل إلیها



[ صفحه 324]



خبر قتله سجدت شكرا لله. وعلی كل حال رحم الله أم المؤمنین وغفر لها كرامة لزوجها. ونحن لا نضیق رحمة الله التی وسعت كل شئ، وكان بودنا لو لم تكن تلك الحروب والفتن والمآسی التی تسببت فی تفریقنا وتشتیت شملنا وذهاب ریحنا حتی أصبحنا الیوم طعمة الآكلین وهدف المستعمرین وضحیة الظالمین، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم.


[1] صحيح البخاري كتاب المرضي باب قول المريض قوموا عني: 7 / 9. صحيح مسلم في كتاب الوصية باب ترد الوصي: 5 / 76.

[2] اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان: 2 / 166.

[3] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: 12 / 21 وذكر ابن أبي الحديد أن الخبر نقله أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسندا.

[4] صحيح البخاري: 5 / 202 كتاب تفسير القرآن سورة براءة.

[5] سنن ابن ماجة: 1 / 44. الجامع الصحيح للترمذي: 5 / 300. النسائي في الخصائص 20. مسند أحمد: 5 / 30. المناقب للخوارزمي: 79. تذكرة الخواص لابن الجوزي: 36. الصواعق المحرقة لابن حجر: 120.

[6] أخرج ابن حجر في الصواعق المحرقة: 107. قال اختصم أعرابيان إلي عمر فالتمس من علي القضاء بينهما، فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلابيبه، وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاك ومولي كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.